كلمة الرئيس
الدكتور الياس
وراق
في الاحتفال
بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس فرع لجامعة البلمند في سوق الغرب
6 حزيران 2024
جامعة
البلمند – حرم سوق الغرب
صاحب الغبطة
البطريرك يوحنا العاشر الكُلّي الطوبى
والجَزيل الإحترام،
معالي الأستاذ وليد جنبلاط،
أصحاب المعالي والسّعادة والسّيادة والسّماحة،
أيّها الحفلُ الكريم،
يُسعِدُني اليوم ويُشرِّفُني أن أرحِّبَ
بِكُم في حَرَمِ جامعةِ البلمند في سوقِ الغرب بمناسبةِ مرورِ عشرِ سنواتٍ على إنشائِه
وإشغالِه.
إنَّ اجتماعَنا اليوم في هذه المنطقةِ العزيزة
من لبنان لهُ تَمَيّزٌ خاص ومعانٍ عديدة. ففي زمنٍ ليسَ ببعيدٍ كانت سوق الغرب
جبهةَ صراعٍ وتجاذبٍ، ومنطقةُ محاورٍ وحواجزٍ وحربٍ ضروسٍ راحَ ضحيَتُها المِئاتَ
و تهجَّرَ بِسَبَبِها الآلاف من أهلِ هذا الجبلِ الأشمِّ، في منطقةِ عاليه الغالية
على قلوبِنا جميعاً.
إنَّ وجودَنا هنا اليوم إنَّما يُؤَكِدُ
مرّةً بعدَ مرّة تجَذُّرَ شَعبِنا بأرضِه، وتَمَسُكِّهِ بروحِ التعايشِ، التي وإنْ
تعاظَمَت المؤامرةُ على تدميرِها، وإنْ كَثُرَ المتآمرونَ لإنهائِها، تبقى حيَّةً
في قلوبِنا، ومشتعلةً في ضمائِرنِا، ومترسِخَةً في قناعاتِنا. قناعاتنا بأنَّ هذا
الوطنُ لا يبقى سرمدياً إلا بتعايُشِ أبنائِه، ولا يتميَّزُ إلا بتعَدُدِيَتِه
الجامعةِ للطوائفِ والأديان، وانصهارِ معتقداتِ أبنائِه لخلقِ مجتمعٍ متنّوعٍ
متماسكٍ منيعٍ في وجهِ الأزماتِ والشدائد.
وفي الواقع،
هذا ما نشهَدُهُ ونشهَدُ عليهِ اليوم في ظلِّ هذه الأزماتِ المتعاقبة، حيثُ حافَظَ
هذا الوطن على وجودِه من خلالِ تلاحُمِ أبنائِه والتقائِهِم على محبةِ وطنِهِم،
وإن كانَ كلٌّ منهُم يعشَقُهُ "على هواه"، وعلى طريقَتِه، ولكن في
النهايةِ بَقيَ ويَبقى هذا الوطنُ عصِيَّاً على كلِّ مؤامراتِ التهجيرِ، والتجويعِ،
والتركيعِ، والإستسلام.
منْ هُنا،
وانطلاقاً من قناعاتِنا بأنَّ الجامعاتِ يجبُ أنْ تكونَ السبَّاقَةُ في إدارةِ
الأزماتِ، والبوصلةُ المرجوةُ لإظهارِ طريقِ الخلاص، أَخَذَت جامعةُ البلمند على
عاتِقِها أنْ ترعى أبنائَها من طلابٍ وأساتذةٍ وموظفين، وتبقى السندَ لهُم في خِضَمِّ
هذه الويلاتِ المتعاقِبَةِ التي عَانَى مِنها لبنان ولَمْ يَزَل. ففي أحلَكِ
الظروفِ الإقتصاديةِ أصَرَّتِ الجامعةُ على تَحَمُّلِ الأعباءَ المادية منفردةً
لأكثرِ مِن سَنَتين، دونَ أن تُثقِلَ كاهِلَ الطلابِ وأهلِهِم. وأصرَّت على بذلِ
أقصى جُهدِها للحفاظِ على أساتذَتِها وموَظَفِيها، قناعةً مِنها أنَّهُ في زمنِ
الأزماتِ يجبُ على أصحابِ المسؤوليةِ أنْ يسْلِكوا طريقَ الصوابِ مَهما كانَت وعِرةً،
ليَكُونوا مِثالاً يُحْتَذَى بِهِ لبناءِ مجتمعٍ صالحٍ في وطنٍ سليم.
نَعَم فبالرُغمِ
مِن كلِّ ما عانَيْنَاهُ ونُعَانِيه على جميعِ الأصعِدةِ، وبالتحديدِ في قطاعِ
التعليمِ العالي، فَتَبقَى قناعَتُنا أنَّ الثقافةَ والعِلمَ هما خشَبَةُ الخلاصِ
للعالَمِ أجمَع ولِوطَنِنا بالأَخَص.
كما في كلِّ مرَّةٍ
نعودُ لنُشَدِّدَ ونُكرِّر أنَّ العلمَ يجبُ أنْ يقترِنَ بمكارِمِ الأخلاقِ وأن يُحصَّنَ
بمبادئِ الأديانِ السّماويةِ التي لا تدعو إلا للمَحَبةِ، والرحمَةِ، والسَّلام.
فَقناعاتُنا راسخةٌ وستَبْقَى، بِأنْ نتَحَمَّل هذهِ
المسؤوليةِ في بناءِ أجيالٍ تَعشَقُ وَطنَها وتَسعى لِتصحيحِ عَوراتِهِ، من خلال إِحقاقِ
كلمةِ الحقّ، والتَّمسكِ بمفهومِ العدالة، والالتزامِ بقولِ الحَقِيقَة.
فالأوطانُ لا تُبنى بِأجيالٍ تَهجُرُها في أوقاتِ
المِحَنِ، لتعودَ إليها للترفيِه والإستجمامِ في زمنِ الرخَاء. نَعَم هذِهِ كانَت،
ولَمْ تَزَل، وسَتبقى رؤيةُ جامعةِ البلمند في المُساهَمَةِ على خلقِ مُجتمعٍ
مُتألقٍ بتنوّعِهِ، مُتآلفٍ في اختلافِ أبنائِه، مُساهِمٍ في انصِهارِهم الخلّاق
لإنتاجِ وطنٍ رائدٍ في علِمِه، مَعْلَمٍ في تَعايُشِ أبنائِه، ومنارةٍ لِكلِّ حُرٍّ
مؤمنٍ بمبادئ الإنسانية.
قبلَ أنْ أختُمَ أوّدُ أن أستشْهِدَ بقولٍ لراحلٍ يَفتقِدُهُ
وطَنُنَا الجريحُ، يفتقدُهُ لحِكمَتِه وَوَطَنِيتِه، الأُستاذ كمال جُنبلاط،
وذلِكَ حينَ قالَ: "المستقبلُ لا يُبنى إلا بالعلمِ والعمل، ولا يُحْمَى إلا
بالحريّةِ والمساواة. والعقلُ هو الذي يُحرِّرُ الإنسانَ من قيودِ الجهلِ، والمعرفةُ
هي التي تفتحُ أبوابَ المستقبل".
عُشتُم، عاشَت البلمندُ جامعةً لأحرارِ الفكرِ ورُوَّادِ
الثقافة،
وعاشَ لبنانُ عَصِيّاً على المُتآمِرين على عِلمهِ وعَلَمِه.